حــرب تطــوان1859-1860 وقصـــة أول صـــورة فــوغـرافية في تـاريـــخ المــغرب
كان العَالمَ ولعصور طويلة بعد بطليموس يظن ان العين ترى بواسطة أشعة تنبعث من العين نفسها لكن الحسن بن الهيثم العالٍم العربي المسلم في علم البصريات هو أول من قال أن العين ترى طبقا للشعاع الساقط عليها وشرح هذا في كتابه المناظر الذي صدر في بغداد سنة 1021 م وترجم الى جميع لغات العالم وبنى عليه الغرب كل تصوراتهم وانجازاتهم في علم البصريات من هذا ف (الكاميرا) أو ” القمرة ” الكلمة ذات الأصل العربي التي تعني الحجرة الشديدة الظلام …من هنا غط العرب والمسلمون في نوم عميق استغرق قرون طويلة ولم يستيقظوا حتى أيقظهم الغرب وهو يحاول نقل حياتهم اليومية وعاداتهم وتقاليدهم عبر عدسات الة التصوير الفوتوغرافية , من هنا دخلت المنطقة العربية مرحلة جديدة من التوثيق البصري فكانت أول صورةالتقطت في الوطن العربي في مصر بحظور علي باشا في نوفمبر سنة 1839 م أي بعد أشهر قليلة من تسجيل لويس داغير لاختراعه الة التصوير . ومع حلول أربعينات القرن التاسع عشر أخذ المصورون يتدفقون على الشام وفلسطين لتلبية السوق الأروبي الذي كان متعطشا ومتشوقا لسحر الشرق وحضارته فلتقطت الاف الصور الشمسية عن الاثار والمعابد والتقاليد والازياء والطقوس وغيرها
اما في المغرب البلد العربي ألأقرب الى أوروبا فتشير الكثير من المصادر الى أن أول صورة فوتوغرافية التقطت بالمغرب بإقليم تطوان وبالظبط بقرية الفنيدق خلال القرن التاسع عشر أثناء الحرب الاسبانية المغربية “حرب تطوان” كما يسميها المغاربة أما الاسبان فقد أعطوها بعدا قاريا “حرب افريقيا وللحديث عن هذه الصورة فلابد من الوقوف عن إسمين مهمين, الأول وهو المؤرخ السياسي الاسباني» بيدرو أنطونيو دي ألاركون» من مواليد غرناطة (1833 ــ 1891) الذي شارك في الحرب الاسبانية على المغرب كشاهدا وموثقا ومدَونا , أما الثاني صاحب الصورة هو «ـ إنريكي فاصيو «(1833 ــ 1897) من عائلة إيطالية ولد بمدينة “مالغا” باسبانيا شارك هو أيضا بصفته مصورا فوتوغرافيا في عمر لايتعدي الثلاثين ويعد أول مصور حرب في التاريخ الاسباني
وقد كانت العادة أن يرافق الحملات العسكرية فنانين ورسامين وعلماء ومؤرخين ومراسلين للوقوف عن مشاهد الحرب ورسم ساحات المعارك , إلا أنه وبدخول الفوتوغرافيا إلى إسبانيا في ثلاثينات القرن التاسع عشر فكر «بيدرو دي ألاركون» الاستعانة بهذا الاكتشاف الجديد في رحلته الى المغرب , فالصورة أسرع وأوثق وأصدق في نقل وقائع الحرب الى الرأي العام فطرح الفكرة على المصور » إنريكي فاصيو» الذي وافق على تغطية الحرب بعد أن أبرما عقدا بشأن الحملة.. وفي 12 ديسمبر1859 وصل» أنطونيو دي ألاركون «والمصور «إنريكي فاصيو «مدينة سبتة مع الفوج الثالث الذي يرأسه الجنرال » أنطونيو روس دي أٌلانو » أي بعد قرابة شهرين من القتال بنواحي سبتة ,كان الجنرال» بريم » قد استولى وسيطر على جزءا صغيرا في الفنيدق على مشارف سبتة وحوَّله الى مخيم عسكري
Enrique Facio VISTA DEL SERRALLO 13 De diciembre 1859 |
في اليوم التالي انتقل المصور إنريكي فاسيوالى عين المكان حاملا اَلتهِ “الكاميرا ” التي كانت عبارة عن صندوق خشبي تتوسطه عدسة يسقط عليها الضوء ، وعند أسفل التل ثـبَّت أرجل الاَلة على الأرض , وحدَّدَ الرؤية على الصومعة والبناية القديمة , وبعد دقائق من التركيز جاءت اللحظة الأخيرة …اللحظة الحاسمة التي يلتقط فيها إنريكي فاسيو أول صورة فوتوغرافية له خارج بلده ، والتي تعد أول صورة لمنطقة مغربية في تاريخ المغرب ، وأول صورة لأَولِ مُصور حروب في تاريخ الصحافة الاسبانية يعبر مضيق جبل طارق….كان ذلك يوم 13ديسمبر من عام 1859م سميت هذه الصورة ب “Vista del serrallo” “منظر من سِرايُّو” والكلمة ” Serrallo ” هي ” السَرَايْ “أو” السَرايا ” كلمة تركية ذات أصل فارسي تعني القصر أوالبلاط ، وهو الثَّغْر أو الرِّباطْ الذي بناه سنة 1692م القائد ابا الحسن علي بن عبد الله حدو الريفي قائد محور بلاد الهَبطْ قائد المرابطين المجاهدين من أجل حصار مدينة سبتة , ثم أعاد بنائه إبنه القائد أحمد بن علي الريفي سنة 1714م ، كان يعرف قديما ب “معسكر الدار البَيضا ” أو “دار القائد أحمد الريفي
” وبعد» معاهدة وادراس«بين المغرب و إسبانيا، في 26 أبريل 1860 في تطوان التي كان من احد بنوذها توسيع مساحة سبتة إلى غاية مواقع «جبل بليونش»» وجرف أنجرة» أصبحت» دار القائد أحمد» جزءا داخل تراب مدينة سبتة ليتحول اليوم الى ثكنة عسكرية سميت ب ¨كوارتيل خنرال دي سيرايو « وقد شبهه دي ألاركون انذاك بتلك القصور الاسلامية التي بقيت صامدة في الأندلس , واستعان بهذا المكان كثيرا في مقالاته و أيضا في كتابه ” يوميات شاهد على الحرب الإفريقية “Diario de un testigo de la Guerra de África”
من هنا زحف 50 ألف جندي إسباني نحو مدينة تطوان , كان المصور إنريكي والصحفي دي ألاركون من بينهم يُدوِّنون و يرسمون تفاصيل الحرب يوما بيوم ويتتبعون الأحداث ووقائعها ، وفي طريقهم اشتبك الاسبان مع مقاتلي قبائل أنجرة في “معركة كاستييخوس” ب” الفنيدق ” يوم 1 يناير 1860 ومن الفنيدق نزل الجيش الى ” وادي النيكرو” عبر الساحل وأقام هناك عدة أيام من القتال والترقب حتى وصل الى “وادي أسمير ” أو “وادي أَزمِير ” بحرف الزاي كما جاء في كتاب “يوميات شاهد على الحرب الافريقية “صفحة 209 و الذي يُعرَف عندهم الى يومنا هذا ب ” مخيم الجوع “بالاسبانبة “ كامْبَامينْطو دي هَبري” على جنب هذا الوادي وبالظبط على كدية “داداش” كما تعرف اليوم بقي الجيش الاسباني منحصرا بين “وادي النكرو” من جهة سبتة “ووادي أسمير” من جهة تطوان والبحر من الشرق ، بقي عالقا لمدة أسبوع بسبب عاصفة مطرية قوية مصحوبة برياح شرقية ضربت الشاطئ هاج خلالها البحر ومتدت أمواجه الوادي ودُمر المخيم العسكري بالكامل وانقطعت جميع الامدادات الغدائية والطبية التي كانت تصلهم عبر البحر وانتشر مرض الكوليرا بين الجنود الذي تسبب في مقتل أكثر من 2000 جندي وأكثر من 5000 تحت العلاج
وفي يوم 10يناير اختفت العاصفة واستقر الجو تماما , أشرقت الشمس و بدأ الجيش الاسباني يتقدم شيـئا فشيئا حتى اقــترب “كابونكرو” وبالضبط بالقرية التي تسمى اليوم “الرنــنـكون” أو “المضـــيق” يقول الكاتب دي ألاركون في يومياته { وليس بعيدا عن وادي ” أزمير” أو “أسمير” : (ها أنا أتمشى على شاطئٍ بَحرٍ ، داهِساً رماله التي تغطيها اَلاف الأصداف البحرية المكسرة والمفتَــتَةَ التي جرفتها أمواج الشرقي …….نحن في وسط “الدُوًار” نتنفس هواء نقي لأولِ قرية مسلمة ….قرية صغيرة بحجم عش طائر خالية أو شبه خالية…. رجالها منتشرين على قمم الجبال يحاربون …..براريك قزديرية متكئتاً على أربعة جدران من الطوب ومسقفة بالقصب والديس ساحة مسيجة بالقصب… نوادر من التبن مبعثرة هنا وهناك …. بئر مبني من حجر مليئ حتى فمه…..)…….وبمجرد نزول جيوش الاسبان “الرنكون” انقسم الى قسمين قسم زحف برا نحو تطوان من جهة “فم العليق” و الاَخر تحرك بحرا عبر كابونيكرو
وفي يوم 14 يناير يصل دي ألاركون و المصور إنريكي فاسيو ضمن الفوج الثالث قمة “كابو نيكرو” وعند البرج اقترح على أصدقاءه أن يأخذ لهم صورة تذكارية بجانبه حيث كان متعطشا لذلك بعد العاصفة و سوء الجو الذي صادفهم في الايام الماضية والذي كان عائقا رئيسيا أمام المصور….. ولهذا فكل المصادر تشير أن الصورة “برج كابو نيكرو ” تعتبرالصورة الفوتوغرافية الثانية التي يلتقطها إنريكي بعد ” منظر من سِرايُّو” ب الفنيدق … احتشدت جيوش الاسبان منطقة “مرتيل” بعدما سيطرت على برج مرتيل ومينائها الذي يؤدي مباشرة الى مدينة تطوان عبر الوادي ، وباستلا العدو على هذا الموقع تكون تطوان قد جُردت من كل حماية خلفية وبحرية
عودة الى الموضوع…..وفي 15 يناير نزل المصور فاسيو الى مارتيل التي تحولت الى ثكنات عسكرية اسبانية استعدادا لااِنقضاض على “الحمامة البيضاء” حيث بُنيت اَلاف الخيام ونُصبت ميئات المدافع على مشارف المدينة ، وأصبح وصول الإمدادت عبر البحر لا تتوقف ، وزدادت أعداد الجيش بعدما انضاف الاف الكطلان الى الحملة جاءوا عبر البحر ونزلوا بميناء مارتيل …… قام فاسيو بالتقاط مجموعة من الصور التي يظهر فيها بعض ضباط الجيش العدو يتقاسمون الحديث ، وبرج مارتيل شامخا كالجبل من وراءهم ، ثم الصورة الثانية لجنود وضباط ينظرون الى الكاميرا واَخرين فوق سطح “الديوانة” ثم البرج الذي بقي خلفهم وعلى متنه جنديين ، تعبيرا عن البطولة والقوة والانتصار الذي حققه الجيش الاسباني في استلائه على هذا الموقع الاستراتيجي
لقد سَبَّبَ سقوط مارتيل بيد الاسبان صدمة كبيرة في نفوس أهل تطوان ،وبث الذعر والرعب الى قلوب الناس خوفا على أولادهم وممتلكاتهم وأموالهم ،فشاعت الفوضى داخل المدينة ، كان المولى العباس وجيوشه قد نزل الى مرتفعات “مدشر القلاليين” المطل على مارتيل ومن “برج القلاليين” كان يراقب حركة العدو ، فقام بسلسلة من الهمجات التي سقط فيها عدد كبير من القتلى في صفوف العدو ، وفي رابع فبرير 1860بدأ الاسبان زحفهم نحو الهدف ليخضوا أكبر معركة خارج أسوار المدينة مع الجيش المغربي وبعض متطوعين قبائل أنجرة ووادراس وبني حزمرالذي لايتعدى عددهم 4500 مقاتل ، سميت بمعركة تطوان التي سقط فيها ميئات الضحايا من الجانبين ….ورغم شراسة المقاومة الاَّ أن خبرة جنود أودونيل وعتادهم المتطور أجبرت المقاومة على الانسحاب والتراجع واللجوء إلى المناطق الجبلية الواقعة بين تطوان وطنجة
وتقول المصادر أن المصور إنريكي فاسيو قام بزيارة الموقع الاستراتيجي الذي كان المولى العباس يهاجم منه وهو “مدشر القلاليين” فالتقط هذه الصورة التي هي عبارة عن منظر طبيعي ريفي ترى فيه سهول شاسعة وأشجار تدلت أوراقها ، وبرج القلاليين يتربع شامخا فوق قمة مرتفعة ، صورة خالية من الحرب خالية من القتال صورة لا يوجد بها لا مقاتلون ولا خيام ولاأسلحة صورة توحي بنهاية الحرب و نهاية الموت
وذُكرفي تفاصيل الحملة العسكرية أن في 6 فبراير 1860 على الساعة العاشرة صباحا تحركت جيوش الاسبان وفي مقدمتها موكب القائد العام الجنرال أدونيل وكبار قادته وكتائب الخيالة نحو مدينة تطوان وقبل انطلاق الموكب قام المصور باغتنام الفرصة والتقط هذه الصورة لتكون أول صورة فوتوغرافية في التاريخ لمدينة تطوان وأطلق عليها “منظر لمدينة تطوان “ اَخذا المدينة وهي متربعة على مرتفعات جبل درسة بأسوارها وأبراجها الصامدة وقلعتها الشامخة وصوامع مساجدها العالية وأبوابها القديمة ……. التقط هذه الصورة تاركا خلفه الحملة العسكرية بأكملها بالقائد العام وجنوده والمعسكر ومدافعه وخيامه وجرَّدها تمـاما من أي حرب أو قتال ، وركز فقط على”الحمامة البيضاء” الفريسة
وصل أودونيل المدينة بأصوات الطبول العسكرية والموسيقى والأعلام الاسبانية أشكالا وأنواعا وعندما وقف «بباب المقابر» وجده مغلق فأمر بكسر أقفاله ودخل المدينة ونزل بدار المخزن واستولى الضُباط على البيوت الرئيسة التي أصحابها كانت لهم علاقة مع العدو وهكذا احُتلت مدينة تطوان ورُفع العلم الاسباني على طول أسوارها وفوق حصونها وأبوابها السبعة التي غيروا أسمائها واستبدلوها بأسماء اسبانية
Puerta del Cid de fuera(Bab Tut por exterior), en Tetuán.1860 Vista estereoscópica de Facio |
Interior de la Puerta de Fez,(Bab Nuader) en Tetuán.1860 Vista estereoscópica de Facio |
la Puerta del Reina,(Bab L3u9la )en Tetuán.1860 Vista estereoscópica de Facio |
بعد احتلال تطوان استطاع المصور إنريكي أن يتجول المنطقة حاملاعلى كتفه َالته الخشبية ليكشف عن تفاصيل المدينة ومعالمها فزار بيوتها وقصورها وأحيائها وتعرف على ساحــاتها وأسورهــا وأبوبـها ، والتقط مجموعة من الصور من بينها “باب التوت” التي أطلق عليها المستعمر إسم”باب سيد” ثم “باب العقلة” الذي استُبدل ب”باب الرينا” و”باب النوادر” الذي سمُوه ب “باب فاس” كما التقط صورة لاستعراض عسكري أقيم على «ساحة الفدان» و صورة “ للقصبة” التاريخية للمدينة مركز الحكم والقيادة العسكرية
Plaza de Sevilla de Tetuán.1860 Vista estereoscópica de Facio لغرسة الكبيرة |
وفي 23 فبراير1860 انعقدت أول مفاوضة صلح بين القائد العام أودونيل والمولى العباس ،و بعدها يشهرين تليها معاهدة اخري سميت ب «معاهدة واد راس» حينها غادر المصور إنريكي فاسيو مدينة تطوان عبر باخرة من ميناء مارتيل ليعود اليها مرة اخرى في شهر غشت من نفس السنة 1860 باَلة فوتوغرافية أصغرالحجم وأسرع بقليل في التقاط الصورة عاد بفكرة الاستقرار لفترة وأخذ مجموعة أخرى من الصور “منظر تطوان من الداخل” و “صومعة الجامع الكبير” وبعض القصور ثم التقط صورة “لساحة الغرسة الكبيرة ” و “ساحة المسرح ” و”مسرح تطوان“….. لتسويقها باسبانيا وأغلب هذه الصور لم تعرف النور ليومنا هذا لأسباب غير معروفة , وهذا راجع للخلاف الذي وقع بينه وبين الكاتب الصحفي» انطونيو دي ألاركون» خلال الحملة ، حيث أن أغلب الصور الذي التقطها خلال فترة الخرب لم تكن حاضرة في كتاب ” يوميات شاهد على الحرب الافريقية ” بما فيه اسمه الا القليل منها ….وهكذا بقي اسم اينركي فاسيو وعمله في طي النسيان لم يذكره أحد حتى 1980 بعدما تم الكشف عنه وانقاذه من صناديق الأرشيف القصر الملكي الاسباني ليأخذ نصيبه في تاريخ التصوير الفوتوغرافي الاسباني
المصادر
Enriqui facio la fotografia de la guerra de africa pdf
Muy interesante, una imagen mejor que mil palabras