مقهى عمي بوطاهر» مــقهى الــبحر «

COMPARTIR

YOUSSEF HAMMOU
2020-03-08

إلى جانب الرمال والأحجار . وعلى بعد عشرون مترا فقط من زرقة البحر ،كانت تقع «مقهى البحر«.لها باب صغيرة من جهة إكليسية (الكنيسة المسيحية الوحيدة بالقرية )،حينما تدخلها تجد درجا يؤدي بك إلى سطح المقهى.وباب آخر من جهة دار كوشترامشتري(المكلف بالصيد البحري). تفرقه زنقة لا يتعدى عرضها مترين.النوافد زجاجية بإطارات خشبية مصبوغة بلون البحر. على الجوانب الثلاث للمقهى، نوافذ عددها خمسة. رصيف تأثثه طاولات من رخام أبيض للعب الدومينو . وكراسي، تقابلها مساحة مفروشة بالصدفيات «تينيتوس» وبها كراسي معلقة بسلاسيل على عمود حديدي. تتوفر على واقيات للشمس، يجلس فوقها العاشقين .بالداخل مجموعة من طاولات خشبية، بنية اللون، للعب الورق.عشاق مقهى عمي بوطاهر محدودون،شباب وشبات الذين لهم علاقة حب رومانسية وآخرون للعب الدومينو وورق الكارطا أما الباقية فهم، ممن يعسفون تدخين القنب الهندي ( الكيف)بالسبسي 

imagen rinconmdiq
cafe del mar y playa de rincón años entre 1985 y 1990

عمي بوطاهر كان وحده يخدم الزبناء رغم قصر قامته كان سريع الحركة. ما أن تجلس حتى يكون واقفا على رأسك، يطالبك عما ستشرب.فالجلوس عنده في المقهى ممنوع إن لم تتناول مشروبا.يتقن طهي الشاي المنعنع والقهوة في الزيزوا (إناء نحاسي ) على الفحم،يكره الصداع أو تحريك الطاولة بالقوة. الكلام ممنوع بالجهر حتى لا تزعج العاشقين.تسمع صوت الملعقة الصغيرة بعد كل تصفية كأس الشاي من الشوائب، بعد أن يخرجها ويضرب بها على الكونتوار الرخامي،يداه ترتعشان لحيته البيضاء تدل على صفاء قلبه وحبه لمهنته. يصلي الصلاة الخمس في وقتها،حينما يقف أمام العاشقين في فضاء المقهى ليطلب منهما ما الذي يريدان شربه يبتسم ويقول لهم :هل أعجبكم المنظر هنا. فتعاشقا لا أحد عندي يمكن أن يزعجكم.فالحب جميل على شاطىء البحر عند مقهى بوطاهر. … بالداخل وأمام الباب اليميني الذي يطل على الكنيسة. تصادفك طاولة خشبية مستطيلة، كنا نجلس بها لأنها تأتي تحت الدرج المؤدي إلى السطح. لندخن السبسي ونلفف الجوان. لا نحب لعب الكارطا أو الدومينو. أو نسمع تعليمات الصارمة التي تلقاها عمي بوطاهر في الثكنة العسكرية أيام فرانكو وحرب الريبوبلاكا

Piscina de Hotel VVT (Vilage vacance tourisme) mdiq tetuan entre 1978 y1980

ألفناه.نخافه وفي نفس الوقت نحبه كذلك.سطح المقهى عالم آخر. به طاولات وكراسي وواقيات شمسية كنا نتناول فيه طواجين السمك الذي كنا نعدها بانفسنا ونطبخها في الفران التقليدي عند مولود أو كريم.غالبا ما كنت أجلب معي غيتارتي التي تظيف لي مظهرا خاصا في شبابي،لأرى شخصي هيبيا،حاملا شعري حتى الكتفين. لكن من الصعب أن تعزف عليها داخل المقهى، فعمي بوطاهر يكره الموسيقى.نصعد إلى السطح .البحر هادىء الشاطىء ممتلىء عن آخره. من أحجار «فيــفيــتي» (قرية العطلة السياحية) القريبة من الميناء، إلى هوليداي كلوب،(نادي العطلة ).كنت أحب العزف على الغيتار مع أصدقائي

autor de la foto youssef Hammou y Elhamdi Al3a9il

العشاق يستمعون ونحن نغني لكات ستيفانس وبوب ديلان ونيليونك ويونس مكري وغيرهم .العشاق يتمايلون ويتعانقون يحسون بنشوة الحياة.الحياة جميلة كانت في بداية السبعينيات .ومع حرب الفيتنام في 1969 برزت ظاهرة البوهيمية الهيبية.وهم الذين يحبون الحرية والسلام ويكرهون الحروب .الهيبي لا يتكلم كثيرا له شعر طويل ولباسه يقتصر على سروال الجينز الامريكي قميص طويل، تبدو عليه علامات الفقر لكنه ليس كذلك ،كان الهيبي من أستاذا جامعي ودكتورا وطبيبا ورجل اعمال لكن عشق الحياة والاستمتاع بها جعلته أن يكون كذلك. عمي بوطاهر يتخاصم أكثر من عشرين مرة في اليوم.ويضحك في كل لحظة رغم كبره في السن كان نشيطا يحب الشباب يحب الحياة الجميلة.وراء الكونطوار لا يتوقف عمي بوطاهارعن الحركة والعمل.يشغل التلفاز إلا عند بث الأخبار بالاسبانية،أو فيلم رعاة البقر

autor de la foto nawras rincón العربي مسعود

لباسه يجمع ما بين قبعة أسيوية،قميصه أوروبي وسروال عربي قندريسي فضفاض.يتكلم اللغة الاسبانية بطلاقة،له بيت صغير ملتسق بالمقهى من جهة كومنداسيا مؤثث،كل شيىء في مكانه،أنيق خصصه للراحة لا يبيت به.يقيم فيه الصلوات الخمس ويأخد قسطا من الراحة حينما يتعب من الزبناء مثلنا .كنت مغرم بالجلوس في مقهى البحر لا أغادرها إلا بعد ان يطردني في منتصف الليل.يختلط الصداع بالهدوء أحيانا مع لعب الورق والدومينو وصمت أصحاب الحشيش،غالبا ما كنا نشرب قنينات التيري خلسة من السي بوطاهر.نطلب زجاجة من مونادة كوكاكولا لنخلطها بالتيري أخطر مشروب كحولي يسكرك سريعا،خصوصا في فصل الصيف.أقوم بمطاردة الأجانب من الهيبيين واغريهم بقطعة من الحشيش وأصطحبهم معي إلى المقهى.لأناولهم من عشبة الكيف بالسبسي ونستمع إلى موسيقى البلوز والريكي حتى أقنعهم كي يشتروا قطعة من الحشيش…..

 rincon tetuan
autor de la foto nawras rincón العربي مسعود

الأجمل ما كان يمتاز به عمي بوطاهر من خصال هو أنه حينما يراك تصاحب معك إلى مقهاه ضيوف أجانب ليتناولوا كأسا منعنعا الذي يطبخه بإتقان.فهو يرحب بهم بطريقته الخاصة ويحدثهم بلغتهم إن كانوا فرنسيين أو الألمان أو الإنجليز أما الإسبان فلا يوقف الحديث معهم طبعا بعد أن يعد لهم الشاي ويضعه على المائدة بإبتسامته العريضة ويضع الصينية بين دراعيه وسرواله العربي القندريسي ذي اللون البني ليدخل معهم في الحديث عن الحرب الأهلية ومغامرته البطولية في ساحة الحرب فكان يسرد تاريخه وهو يجسدها بحركات جسدية كأنه مازال في ساحة المعركة حاملا بندقيته.فعمي بوطاهر كان بالنسبة لي ككتاب حين أدخل المقهى كأنني فتحت كتابا وبدأت أقرأ ما في صفحاته من سرد لرواية أحداثها من الماضي الجميل بشخوصها وواقعها حية تحلق أمامك لهذا كنت أعشق هذه المقهى كثيرا حتى أنني لا أغادرها إلا وأنا متشبع بأن الناس العظام لا يرحلون عنا أبدا بل هم ذاكرة موشومة في الحاضر والمستقبل.فأنت يا عمي بوطاهر علمتني أن الحياة حلوة ككأس شاي محلى بالعس 


COMPARTIR

Puede que también te guste...

Deja una respuesta

Tu dirección de correo electrónico no será publicada. Los campos obligatorios están marcados con *